وسيم و شرير مثل الشيطان
رسالة من ضحية
النظامين
أيها النقابي إلى
أين تأخذني ؟ ألا زلت تتذكرني ؟ بالله عليك تريد كتفي المطية ؟ أما كفاك دهرا عبدا
حملتك فوق ظهري و كنت أدفع ثمن الحمولة ؟ جعلتني في آخر العمر مشوشا و بلا اتجاه
و أبقيتني مستيقظا في الليل و أثناء النهار أنتظر الذي لم يصل أبدا .
أخشى أنني هرمت
و لن أتمكن من حملك ، فاليدان أصبحتا عديمتا الفائدة و القلب مجرد كلمة سيئة
تتحللت . كما ترى أصبحت قطعة أثرية ..إلى
أين تصر أن تأخذ متسابقك الميت ؟ و ما شأني و ما شأن تلاميذي بسباق
الخيول الاديلوجية ؟
لدهر تركت لنفسي
مشاهدة الأمواج السوداء و أنا مستلقي فوق شاطئكم الأبله و نظرت الى نكبة الاسماك :
من لم تلتقطها الطيور الجارحة سحبتموها خارج الماء .هكذا نطقت
حكمة الفناء .
نسيج
كالعنكبوت : فأر متحجر و خنفساء بأرجل
مكسورة تعشش فيها يراعات العنكبوت و هيكل عظمي للكآبة و بقايا دماء لحشرات هرمة
خانتها قواها ...
أريد أن أهرب من
وجهك إلى خيبة الأمل الواضحة ..أدرك أن الصدر ملآن بما أفرغتم فيه من إحباط و لكني
سأتحامل و أزحف و اجر جثتي بعيدا عنكم لأنزف بهدوء و لاستطيع إعادة شريط عمر انتم
ضيعتموه . لقد حلقت بعيدا في السماء و لا شك أنني وصلت إلى نقطة اللاعودة أنا الآن أنظر باعتزاز لكل السكاكين التي غرزتم
في جسدي .
سأبقى دائما طويل القامة و معلم فخور و مربي
مثالي .
و من تكون أنت ؟
ذات صباح
نزلنا من القطار
بأعين خفيضة
نشد على قلوبنا
إلى شاطئ باب
الرواح
شاطئ حزين وغير معروف.
رغم حدائق
البناية الشاهقة
تبدو الورود
بليدة بلاستيكية
أغلق الربيع أبوابه
،
مثلما أغلقت
الوزارة مكاتبها .
اهتزت الرياح الباردة
فجأة
كان زملائي
الضحايا
يدفئون الساحة
بالحناجر الهرمة
و لما لم يبالي
بهم أحد
بحثوا عن
التعاطف لدى
الشرطة و عامل
الحديقة ذو الملابسهم البائسة
و شخصيات مفرطة
نظافتها
و الغرباء الذين
تختفي خطواتهم
و في أعين النظرات
العابرة
فقط أصواتهم
الشريدة
تتناثر على الارض و أوراق الاشجار
صراخات ألم يائسة
الريح الشريرة
اقتلعت الاوراق
في معركة غير
متكافئة و مروعة
لا توجد أذن
سمعت شكواها الحزينة
الصمت فاكهة مرة
يقضمها الحزن
و لا شيء
غير الصمت القاسي .
هذا الخط الطويل
من معلمي السبعينات و الثمانينات
الذين ركبوا شاحنات
التضحية الوطنية
هم الآن في مسيرة
ذليلة
من يحمل عبء
كلماتهم الى البر الآمن؟ .
الوحيد المبتسم
في وجهي
هو نقابي وسيم و
شرير مثل الشيطان
صوت جهنمي
يخترق روحي
كنت أدرك جيدا
أنه يسافر بنا
على طريق مستنقعات
بدا لي
طريق طويل للموت
...
ماذا سيحدث للمدرسة
عندما يبدأ
الجرح في النزيف آخر الصفحة ؟
هل سترى الشمس غدا؟
الصباح في جزيرة باب الرواح رمادي
اخترقه ضجيج الأفواه الرشاشة
أتحسس قلبي
المتعب الضئيل
من الموت في كل
مرة
في عرض لا ينضب
من الهزائم
هذا الحزن يسمع بعنف
داخلي
صوت جهنمي له
أنياب الخريف
يخترق روحي
مثل غاز سام مليء
بالفقاعات
يخرج من فكي الطاغية
منذ البداية
أدركت أنه
وسيم و شرير من
الطائفة الباغية .
كنا بضعة معلمين
فقط ..
معلمي السبعينات
و الثمانينات
كنا سطرين بسيطين
في غمرة السلب و
النهب
لم تشر
لهما القوانين و لا إشارات المرور
أصبحنا سطورا رقمية
لا نهاية لها
في انتظار
السادة الذين قتلونا
و وعدونا بدفننا
و لم يحفروا القبور .
التاريخ
التعليمي و الأخلاقي
وقف بين الغثيان
و الذهول
كيف
لقوانين تغتال
من درسوها في
الفصول ؟
لا زلت أتساءل :
لماذا أنت ؟
- لماذا أنت و
ليس أنا –
شاحنات
المليشيات النقابية
لم تأخذك في تلك
رحلة الموت
و لم يرمى بك
فوقها كالأكياس
و لم تكن جثتك
بجانبي
بوزرتك البيضاء
الملطخة
- لماذا أنت و
ليس أنا –.
مثل كبش أبيض ذبيح
رموا بي في حفرة
منسية مجهولة .
نقابات مدججة بالسموم
تفرخ بيضها
داخلي
يراعات تقتات
مني
تعيش خارج
الضمير .
في ليلة ساد
فيها الظلام
وضعوا على عيني
عصابة
كنت أمشي بشكل
أعمى
لم أتخيل أبدا
العدو كان معي
في الصف
توارى خطوتين
و أتاني بسهم من الخلف
هو الذي ببنادقه
يلكزني
و يقبض النور في
عيني
و يدفعني بلا
هوادة الى الحتف .
و نحن نكابد أن نخلع حبل
المشنقة
هناك من يعد لك ألف مشنقة
من الصعب إعادة
بناء المهزلة
العظام هرمة
و الزمن جد
متأخر
اعلم يا خانقي
بعد هذا الوجه
الحزين ستمر وجوه كثيرة
و تسحقها آلتك النقابية
المسننة
ستضيف إلى
تاريخك الأسود
وجوه أخرى
و بصائر لا ترى
و ستنمو منحدرات
من وجوهنا المنسية
المدرسة ستفتح
قبورها
و ندخل مواسم الخريف
ستحدث تشققات في
الجدار
حينما ينسى
التعليم بنائيه
و يضعهم منصة
حجرية
ينتصب فوقها تمثاله المنهار .
و ضحايا النظامين لن يتبقى لهم
غير جمع أقلامهم ، دفاترهم ،محافظهم
ومطلوب منهم أن لا ينسوا جمع أسماءهم
أسماءهم هي
آخر وجهة تبقت لهم
لينصرفوا في ممر
حياة يضيق
و يموتون إلى
الأبد .
و أنا يا زميلي
لا أدري
إن كان
باستطاعتي أن أعطيك اسما نبيلا
كالتربية و
التعليم مثلا
فالكلمات تعصرها
الأقواس
بعد أن قتلوا
فيك الجمال و الكمال
و داست مركبات
المليشيات
على الحق و النور
و المثال
و رموا أوساخهم
على وجهك
و مع الوقت
كانوا عقرب
الرعب في حلقك .
رحل زملائي ،
ماتوا ،ضاعوا
تفرقوا منهكون في الطرقات
يستنجدون بالوزير
و لم يعرفوا
أنه و النقابي
بعد أن يودعوننا
في محطة
الحافلات و القطار
ينامون في نفس
السرير .
زميلي في
التعليم
المعلم اورليانو
بوينديا
بطل رواية مائة
عام من العزلة
مر هذا الصباح
من هنا رفات
لقد استبسل و هو
يراسل الوزير
حتى تساقط على الارض كالفتات
سدوا في وجهه أبواب المدينة
تحجر على سورها ذكريات
أصبح أطياف عظام هرمة
رأوه في أيامه الأخيرة
نحات
يعبث بأسماكه الذهبية
و يحلم بأكسير
الحياة
يا صفحة الدفتر
الحزين
دفتر التربية و
التعليم
ما نفع كلمات الميت أمام مُغَسِّله ؟
يا صفحة الجهل
التي كتبوا فيها جرائمهم
و علقوا رؤوس
المربين على مداخل المدارس
هاهم الأبطال الذين نحتوا حاضرنا
على اللوح
بطبشور المرارة
رموهم ضحايا في مقابر جماعية
و عادوا الى
المدارس يعبثون.
شتاء 2016