الأربعاء، 17 فبراير 2021

أوراق متناثرة من فصول " المصلى"

 

 

 أوراق متناثرة من فصول " المصلى"

عودة على بدء :

أحب التفكير في بساطة الجبال الرابضة ، وضفة الوادي :ملعب كرة القدم  ، والأزهار الباذخة اللون لدفلة الوادي: بيضاء و حمراء و قرنفلية و أرجوانية  ،أحب استنشاق الهواء النقي للجبال الحارسة لمنزلنا القديم ،وأقدر جيدا  كيف يتلاشى غروب الشمس فوق " الثنية "  في الأفق. في الغابات ، أحب أن أستمتع بالطيران الحر للطيور البرية : حقول " مزوغ "،

 وفي هذا المأوى الهادئ الصامت  بين  الجبال لمصلى  ، أشعر بأن روحي تهزها الرياح مثل نبتة العشب الهشة ...

بانوراما

 في هذه القرية ما يحرك  الجمود

الأخبار الآتية  على عجالة

هنالك في الضباب خروف  مفقود

خرج في الصباح الباكر

رفقة القطيع

أكله الذئب

و ربما لن يعود .

و هناك أيضا جاري الذي يسأل بلا وطر ،

كل غريب  مر من دوارنا   ،  و بلا ضجر:

عن غيم رصاصي كثيف  مر ب"الضهرة "

قبل شهر

أترك خلفه  أقحوانا أو نباتا فوق الحجر ؟

و هناك عمي الجلالي

يسأل عن كيسين من الاسمنت لاصلاح الساقية

طال انتظارهما منذ السنوات البالية .

وغير بعيد ، في الضفة الأخرى على مرمى البصر

تئن الحافلة العتيقة

يزهر أنينها متقوسا مثل الوتر

مسافر أتى من تاوريرت القاصية

- أعين عديدة تتطلع إليه -

 . حاملا معه الهدايا والطرائف و الصور

سبع دجاجات  وديك  أبيض ، يعبرون الوادي

 ضفدع تائه  يحلم بمياه المطر النقية

زقزقة تسافر عبر الوادي

تتوقف عند عين " أم الحبيب"

و تبحث عن لحنها

في كورال الحوريات  القادمات إلى العين  .

 أثناء الانتظار كتلة من الصوف و الخرق

  تسقط من السماء

ويركض الأطفال للقبض على  الكرة - الغنيمة

و تحتار تجاعيد  القدامى من عرق

ما تصبب من  ضربات الرفش فوق الارض العظيمة

تتوجس الامهات من ركض بلا جدوى

قد يقطع القلب و يهد العزيمة  .

 

فوق أسطح المنازل الطينية الرابضة  

أدخنة البلوط  و العرعار

 تصعد من المداخن الترابية  الى هدأة السماء .

خلف الأسلاك الشائكة لأشواك التوت  العالية

روائح حمار  يتخلص أخيرا من شظف العيش ،

و ذباب يتراقص من رغد العيش .

أرفع ذراعي لأتكئ  فوق  سطح منزل ترابي قصير  

العشب البري يستريح تحت الشمس بعد ليل مطير

و فوق الإزار الابيض

حبوب القمح الذهبية  تحت هدأة الشمس و الرياح

و لوحة لدبدو تملأ إطار البصر .

2- يوم ماطر

يتعكر لون الساقية

 يعلو هادرا شخير الوادي  مثل الوحش الجريح ،

يتغير لون المياه ،

تبدو الشمس باذخة الألوان

من ملكوت ماء يسيح

من أعلى برج تافراطة  تتسلل عبر الشعاب  ،

إلى بيوت تبللت مثل الدجاج

يجن جنون الوقت، تظلم الدنيا

ويصير الكل تحت رحمة السحاب

عمي الجيلالي  تحت قبعة القش  الكبيرة

 يصرخ من الضفة الاخرى :

يسأل الجماعة عن حماره الذي لم يعد

و ظل الطريق الى الاسطبل

 في منزل خراب ، قطة تعوي وسط البلل

كلب يتجمد جوعا و بردا

و حمار يحشوا أنفه باحثا

عن التبن بين الروث  و بين التراب

 

تمر شرسة تلك الغيوم الرصاصية السوداء

لتعيد ترتيب الكل على السواء  

و تترك خلفها آثار لسانها الجارف على الطريق

آثارمدمرة لماء دفيق

آثار طمي  تفحم   بلا حريق .

تغرق المراكب الشراعية في الغابة

و يعود الحطاب خال الوفاض .

 

سحابة كثيفة تسقط فوق خط "شعبة التحتين "،

الكلب الاجرب الضال يهرب من الجوع و البرد.

 في تثاؤب يترقب حمار  تحت السقيفة

قدور لا زال يذرع "الحرشة " و "الزاوية "

ذهابا و جيئة  

مع لفافة تبغه الاسود الرخيص  ،

تطفو الضفادع صاخبة في  "بورواض " ،

يضيع ثغاء الأغنام مع الريح

تختفي الطيور تحت هده السماء الرمادية

مع البرد تتوحد أسمال الأطفال البالية  

و هم يتقاذفون الكرة  

تسمع صافرات قطارات الريح

عطار يهودي - يسبقه ذقنه -  يعبر الوادي

على حماره مهرولا  ؛

بالكاد أسمع صوت مؤذن المسجد .

و  سيطرق جدي بعكازه على الباب ،

لنذهب الى الصلاة .

و تنهمر السماء مدرارا .

مساءات عادية ...

فيلسوف   القرية يدخن سيجارة

 ويخبر الناس عن الوقت

و عن أمم حلقت الى في القمر

 و لم تخشى الموت

و يتنبأ بأحداث غابرة الزمن

 لحلقات سيف بن ذي يزن

و عصر سالف الاوان

 

في حانوت  "عمي علال "

تشرئب الأعناق حول الورق

و هم يرشفون  شايا من حبق

  يتحلق الناس حول "البوكير "

سيف  " السيد علي " يقطر دما في اطار على الجدار

رأس ذئب  علق في الزاوية ؛

يعبر الذباب الخبز المكسور

على جدار النسيان الطينية

 شقوق انكسار الوقت

 و لا توجد ذاكرة

إلا للحرث و  الأيام الماطرة

ترن أجراس شجار الصبيان بين "الحرشة " و "الزاوية "

ينتظر حمار سيده لينتهي من "الروندة "

يقفز ديك ينقر بين الحصى

مريض يركب البغلة الى دبدو

بدا صوت شاحنة آتية عبر الوادي

بريد مجلس " الزاوية  " للأخبار العاجلة :

وفاة زوجين في ليلة العرس

مختنقين بغاز فحم البلوط

و أخبار عن زيارة "أم النحس "

و دعاء من الجدات  بحد البأس .

أمسية خريفية

تسقط آخر ورقة من التينة العظيمة

بشكل لا إرادي  تترك الشجرة عارية

يقشر صفحتها الصفراء مطر أكتوبر العنيد

و ترمي بها الرياح جانبا

المواقد سخنت بخشب البلوط

و اختفت في الخارج زقزقة العصافير

تقترب الاجساد الباردة من النار

يهز القط ذيله فرحا رغم اقتراب العاصفة

فترة ما بعد الظهر

ازدحمت السماء بالغيوم

القطرات الاولى فضحت عيوب السطوح

في فترة بعد الظهر ، يأتي المطر مثل عناقيد تتفرع ،

ينساب بسرور بين الدروب الترابية

و قد يملأ الوديان الجافة  الفارغة

مثل الأفاعى تنزل بشغف عبر عمود الأشجار ،

على طول الجبال أرجل تجري في المراعي

 

ستنظر كل من مزرعة الفول  وحقل الشعير إلى بعضهما البعض بسعادة

عندما ينفجر أخضرارهما .

و سيرفرف قلبهما غبطة

ان سمعوا زقزقة المطر على عتبة المنزل .

لافتة كتبت من ريح

في هذه الوحدة  الموحشة؛

الدوار و الأزقة القليلة مغلقة

بأقفال لم تصدأ بعد

دشنتها الخطى العنيدة للآباء الأولين .

الأسطح الصلصالية المطلية بالاصفر  

النوافذ الخشبية بلا زجاج

ضربات البرد تتكسر فوق أيدي خشنة  

-------------------------------

جدي بندحو الاول

و مع مرور السنين و الحقب

استوطن القناعة

عاش  يكد بلا تبرم و لا غضب  

كافئته الحياة بقطعة أرض

و كرمة و تينة

و منزل طيني عل التلة  

و اصطبل يملاه الحطب

كانت كل جواهره و كنزه

حقوله  التي ما قدرها  بذهب

 

في البدء

كانت الطرق تعبد بالحب و بالجوار

و كان فعل الخير طبيعتنا الاولى

و أصل ما فينا من تفرد و إصرار  .

كانت الحياة مياه ساقية تسيرفي هدوء

قبل أن نفتح للغريب أبواب الدار

قبل مجيء مفتعلي   الجدال و الشجار

 هؤلاء الذي لقحونا ضد مرايانا

 وسيجونا في إطار

شخصوا أحزاننا و رأوا في مستقبلنا

رسالة لهم من تقلبات الارض و المطر

الحياة كانت جميلة يا بن عمي

قبل مباريات مصارعة الديكة

 و قبل  أن تصير الشاشة نديمتنا في السمر

و نسمح للوقت بالمرور بيننا .

هذه الفراغات

دمرت العش و القش

و حولت حياتنا الصغيرة تفاهات  

مرة أخرى :

مزقت العاصفة هدأة الجبال

مشطت الرياح في هذيانها

شجيرات بضة تجثم على التلال

الناس تشد على قلوبها خوفا

أن يمر العام بلا غلال

أي روح ستتجول بين هذه الربوع

بحثا عن أثير حبة قمح ؟

قبلات مائية لهذه البرية العطشى

أشياء كثيرة تعاني من الشهادة

بدون شكوى !

تعبق في  الأحراش رائحة الفجر

و تستيقظ " المصلى ' تحت شروق الشمس

و لا زالت تعاني من التعب

و شجيراتها تستفيق في همس تبتسم ،  

جراح تلملمها بلا غضب

و تمسح عن وجهها الدموع

و تعلن أن كل ما فقد

هو الآن في طريق الرجوع .

أنشودة طفل :

كنت ذاهبا الى  دبدو

و لم أخف في الطريق

لا جن و لا عفاريت

فقط طيور مبهجة تشدو

قطعت الوادي

و لم يكن خوفي كما يبدو .

نشودة للصغار : أ

يا ذاهبا الى دبدو

لا تخف و اقطع الوادي و أنت تشدو

سواء عبرت من بورواض

أو "عين أم حبيب "

لا جن و لا عفاريت

و لا دجاجة بكتاكيتها تغدو

لا تخف من عبور الوادي

و لا تقطعه و أنت تعدو  

لن يكون خوفك كما يبدو

يوم ثلجي

تنقطع المصلى عن باقي العالم

تغرق الأجساد  في حزن

 و تنكمش تحت الأسمال

و يتحول هذا البساط الابيض الى برد .

عمي قال لنا أن الثلج

يرسم الوادي من جديد

عبر مروج ملبسة بالطين ,

أخاديد  كانت نائمة

ها هي تقوم لتجري من جديد .

فجر آخر  سيشرق

و بريد الشمس سيبرق

ترسانات مكسوة من بياض  ثلج

أفصح عنها الصباح البارد .

تحت هذه السماء المتجهمة

لحم و عظام يعيدان ترتيب الحياة

شيئا فشيئا تدب الحركة

بخطى عنيدة للفلاحين و الرعاة .

بالحطب الذي جمعوه

الناس يقضون الشتاء

يعيشون على القناعة

يأكلون حنطة الصيف

سي امحمد 

أبي  سي امحمد  كما عرفوه

كان بالفعل  يستطيع أن ينسى أشد المعاناة

ويغفر للناس  أخطر الإساءات

وتمكن رغم كل شيئ من البقاء مخلصًا وعفيفًا

لدينه و دنياه

صاحب  تجربة روحية غير مبال

بفقاعات  في الحياة

لقد كان يعتقد أشياءا عديدة

 مثلا يرى الماس في المطر

والياقوت في قطرة ندى

و الذهب في سنابل القمح

و العبادة في العمل

ويعطي  للحب أكثر من العقل

وهذا قاده الى قناعة  حلوة

إذ رافقته  الملائكة

إلى ملكوت  السماء

ومازالت الناس تفتكره بالدعاء

لقد يخشى ربه  و كان مخلصا  للحياة 

عبد السلام

فلاح بطبيعته

قلبه ينبض بالنبل

ذلك كان عمي عبد السلام

عاشق للحقول  عاشق للغناء 

طيب و صادق بدون قناع .

مشى و سافر في العديد من الطرق

لكن خطواته دائما بلا وداع

ترجع الى عش المصلى

لم يستسلم في أحلك الظروف

 ، و تعامل باللين .

------------

لوحة :

في المكعبات الطينية الحزينة

الرابضة تحت سفح الجبل

و في صمود خضرة أشجار الزيتون

أبحث عن لوحة

تحرك في داخلي  المشاعر الأخيرة

و حتى و ان كانت العظام ظامرة

من يحرك فرشاته

حتى تتحرك الحياة في الصور ؟

هناك صور تزين الاطار العتيق

فكيف لا توجد ذاكرة ؟

من أقام للشمس حقولا و بساتين

 تصدح بين الوديان ؟

من أولم من عرقه أخاديد

للأيام الماطرة

و من أراق من عرقه

ليسقي حبا و عنبا و رمان ؟

أقلب الصفحة و أغمض عيني

عن الريح المميتة

التي اجتاحت الشجيرات " جنان العلواني " .

 

 

5- تافراطة

أراقب الطعام بهدوء

- حول  طاولة من تراب -

خمسة حصادين  و راعي صغير و حطاب

 متحلقون  جالسون.

أرضا يحاصرون الطبق

مشمرين عن أكمامهم

مستأثرين في هدوء يأكلون

مع كل قضمة تصعد فكرة تسد الرمق

كيف سينهون حصادا

يمتد الى آخر الليل

و ينامون قانعين  بلا قلق  ؟

 

 - مرآة في بركة صافية :

هناك ، من بين كل ذكرياتك ، ذكريات

ضاعت بشكل لا يمكن إصلاحه.

 لن ترى الغابة  الخضراء

و لا " اسلان " و حفلات الشواء  

ولا الصفصافة  التي عبرت عليها الوادي

و لا أخواتها اللواتي شققن عنان السماء  

و لن تنزل إلى تلك التينة العظيمة  قرب العين .  

ندم حزين مهجور  فوق أطلال

أبدا ، و لن تكون ذلك الطائر

الذي  يتحدى نفسه ليكون جديرا بالعودة الى العش

 يحمل الحب و الدفء

الكثير من الأمنيات المتحمسة لصمتي

و هذا الحزن الذي يرافقني .

قبل البيانات السياسية  المذاعة

كنا أحرار في أرضنا

كان زمن الفواكه البرية

حيث الحب و القيم ملك للناس

في متناولهم ، مشاعة  

كانت الغابة الخضراء ملكنا

و كانت لنا أغانينا

و كنا نعد الطيور التي ستغرد لنا

وننظر في غبطة للسماء :

 نجامل حبة التين الأولى بين شفاهنا

نظراتنا كانت ترسمها الوجوه الصافية

تتحول ليلا إلى ضوء قمر خافت  وديع .

الرجال مصنوعون من شجر" الجبوج "

النساء مصنوعات من قرنفل و من زهور

الأطفال تويج يشق عنان السماوات

الحياة تجري  صافية

 نهر عسل لذيذ

يكفي لان تعيش

قليل من  الصحة و العافية

و الآن

لم يعد هناك مصباح قادر على

تجميع ظلالنا المتناثرة ،

و تناثرنا على الهامش كالهشيم

اعترانا الذبول

وحدها أشجار الزيتون بقت صامدة

تراقب أجيالا لم تفقه

لماذا يدور الزمن و يفقد إخضراره مع تحول الفصول ؟

 

شريط مشروخ  

حينما يعود الزمن

و أخرج تراتيل الذين حلموا

بانهار في جنة عدن

تمر الرحلة التائهة

شريطا طويلا حزينا من الفتن

 لذاكرة تقطعت بها السبل

و انظر حولي

و لا اجد حتى ظلي

هؤلاء الذين رحلوا

لماذا اخذوا كل شيء ؟

لماذا لم يتركوا لنا شيء ؟

لماذا دفنوا معهم أسرار

البلابل و شقائق النعمان

لماذا أوقفوا الزمان

و أخذوا معهم الأيام الجميلة؟ .

 

نداء فوق السطوح

هل تتذكرون الأمهات

اللواتي غسلن أوساخنا  في  "بورواض "

و كن يفركن  " الهدادين "و الالحفة "

ثم يغرقنها في الدلو الحجري

لازالة " تغيغت " و الرغوة

في زمن لم يكن فيه حرير و لا أقمشة ؟

أتتذكرون  ؟ و كأني أراكم واجمون

حينما كانوا يجففونها على الاشجار  

ليحملونها معطرة

في آخر النهار ؟

ها هو الليل يلتهم الشموع

الواحدة تلو الأخرى ببطء

بدأن يختفين

 الواحدة تلو الأخرى ببطء

بدأن يختفين بلا رجوع

مثل أوراق التين إذ حان موعدها

و سقطت من عليائها في بهاء .

لم يتبقى لنا إلا ألم يتجعد داخلنا

و مع ذلك سنحمل عارنا و" قلة الحياء "

و نمضي أيامنا في البكاء

على هؤلاء الاطفال ، أطفالهن

الذين تحملوا النحب

و لم يتحملوا الكثير من الحب .

جدي "أمجين "

حدثني جدي امجين

أثناء تناول بلبول الصباح  في" الحفرة "

عن عفاريت و اباريق ذهبية

و عن عاصفة البارود التي مرت من دبدو

و عن عام الجوع

و عن تاوريرت و وجدة

و عن بلقيس في اليمن ..

كان يجلس في  "الحفرة الحجرية "

عرش حجري يراقب منه دبدو

يخطط بعكازه على الارض

فينثر الحكمة في مجلسه .

حقا ، ظهره المؤلم ينحني

مثل شجرة " البيلم " في الرياح

و لكن حكمته و ايمانه

هي الفجر حينما ينبلج النهار


عمي عبد السلام (بتصرف)

الشخص الذي يعمل بيديه هو الحرفي ، والشخص الذي يعمل بصوته فنان ، والشخص الذي يستخدم عقله هوقارئ و مثقف ، والشخص الذي يعمل بقلبه شاعر بمحيطه و بالأنسان حوله  ؛ لكن الشخص الوحيد الذي يعمل باليدين والصوت والعقل والقلب هو بلا شك…. عمي عبد السلام .

العين مرة أخرى :

حينما أهبط المنحدر

إلى عين " أم حبيب "

 أحس أنني قد وصلت الى المستقر !

كم كانت المياه عذبة

ترتوي بها الشفاه في أيام الصيف الجذبة

أغسل يدي في مائك الوطر ! 

فتعاودني تلك الرائحة الخاصة

التي أحتفظ  بها في أعماقي

كجوهرة غامضة أو حقل فسيح

هنا أشم رائحة الوادي و الشجر

و أقترب من الكرسي الترابي

و أجلس لأقضم من  صفائك

المرور أمامك يولد الرغبة للبلل

و في هدأة الليل

كانت هناك نجوم في الاعلى

وحوريات ينشدن في الاسفل

و كنت حينما تحني  شفاهك لتشرب

تطالعك صورتك الحريرية

في الماء الشفاف   .

يوم بعد يوم

و سنة بعد سنة

قاومت الموت

و جف حلقك من الطرق على كل بيت

من يعرف كيف يصرخ اسمك ليحفظه؟

كل ما عشته و كل ما نسيته

ذكراك تهرب منا

الى قاع الصمت .

مصلاوي : "سميميع الندى"

كنت أعد على أصابعي

 الأرض ،الرياح ، الضباب،  الهواء  

عصوات الرعاة

  ماعز و خراف  جيراننا  

 و وقع تساقط المطر

أضيف العشب للشمس ،

 فيزحف الظل في همس

يتحول العرق  إلى قمح

ألاحظ السيقان في الشفق

و أحسب كل غمامة تسد الرمق

أعد وقع الندى في الفجر

أحاول ألا أنسى أي صمت ،

ولا شاهد و لا نصف صوت .

لكني الآن

نسيت أن أعد نفسي ..

و ضاعت همتي و خسرت بأسي .

الحياة مرة أخرى

وردة الحياة تذبل  ،

و الخريف القادم لا يمهل

و قد سكتت  الأشواك

و لم يعد لها ما تحكيه عن العشاق

أختفت الكلمات في طي النسيان

أشياء كثيرة مكتوبة

من سينساها ؟

لون الدروب الترابية

الدوار في الشفق ،

صياح الديكة في الصباح

 نباح الكلاب في الصباح ،

ثغاء الأغنام وهى عائدة إلى الزريبة  في المساء

المنازل الغير المرتبة ،

المنازل الفوضوية

حقول "مزوغ "

لوحة هولاندية ترصد دروبا من البهاء

اذ ترسم دروبا من بهاء

الساقية تخترق لمصلى  اذا تسيل من صفاء 

هذا الحب الذي يولد في الخفاء

و هذه الخدود التي تتورد من حياء .

وفي النهاية هربنا من البيت الكبير،

 و أصبح أهلنا ذكرى قديمة بين الحقول ،

و أيامهم صفراء

عبثا نبحث عن المصب

 زاحفين ، هاربين من  الذبول

فينظر الينا الجفاف

كحيوان بعيد وحزين

وفي النهاية هربنا من الحقول  ،

 من أجل سراب ، عبر البحر ،

بحثًا عن عين الإعصار الذي نظر إلينا

كحيوان بعيد وحزين .

                                                                                  تاوريرت ابريل 2020 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق