إلى
النقابات الغامضة
إلى النقابات التي رافقت مسيرتي
التعليمية منذ الثمانينات و نذرت نفسها من أجلى لتصنع مني ضحية ضحايا النظامين .
مساء الخير أيها السادة
اسمحوا لي بالمرور أمام حدائق
نضالاتكم
و للمرة الأخيرة
أتملى بهذه الورود البلاستيكية
و لا تخشوا علي أو مني
فرائحتي عابرة
رائحة معلم عجوز
و صوتي متحشرج بالكاد يخرج من بئر
جافة
أعرف أن الحياة تنكرت لي
( الحياة التي اخترتم لي )
و هذا الصمت غير قابل للتدمير
اسمحوا لي أن أرى كل الأسرار
التي احترقت و صرخت
في هذا الصمت الرهيب
و انتظرت حتى سقطت ميتا بلا مجيب .
أسمحوا لي أيها السادة أن أشعر
أن الحقيقة متاهة
و أن حياتي التي وهبتها للتعليم
ليست مجرد صمت ، هي أقوى
رغم حاشية المنافقين ورائي
بصوت خفيض
يتهامسون و يتآمرون
تحت هذا الصمت المميت .
اسمحوا لي أن ألقي نظرة خاطفة على
المدرسة المشرقة
ذات العيون السوداء ، مصباح لم ينطفئ
في هذا الجسم الحجري الابدي
دعوني أبكي بسلام فوق مكتبي القديم
لأشعر بجلدي الذي احترق
و أنظف روحي المكسورة .
لماذا تركتني يا زميلي أسقط وحدي ؟
هل بمقداري تحمل الأسوار ؟
لا تقل نسي كل شيء
و لم يعد يكرهني
فقد مات كل شيء .
و ماذا تبقي لي ؟
قد أرسمك كلمات على الجدار المنهار
و ذلك لن يخفف أبدا من روحي الهشة
أمام هذا الصمت الحاد .
لا يوجد شيئا أكثر جدية في العالم
سوى الموت من غبار الطباشير
ثم الرعب من
زملاء تحولوا إلى وحوش ذات فكين
لا يوجد شيء أحلى من السبات المرير
في انتظار الذي لن يأتي
جسدي مقلوب رأس على عقب
خرجت منه ذات يوم
و تركت كلامي في حالة تشويق
لا يوجد شيء يمكنني فعله
أنا معلم بوكماخي سخيف .
ذكريات الماضي لن أنساها
حتى لو رجعت إلى جسدي و أردت ذلك .
ضاقت وغاصت بي الارض .
أنا أحدق في القمر
أليس هناك القليل لي ؟
خاصمني الحظ الملعون و ليس لدي ما
افعله
سوى الجري المجنون نحو قمة بعيدة
قد أموت قبل أن أخفضها لتكون في
متناولي .
لا توجد يدان لاحتضان الكلمات و
الاناشيد
لا يوجد شيء من أجله تحب
لا توجد الا الثعابين في حدائقكم
لا توجد سوى آيات سوداء في جمجمتي
سواد على بشرتي
ظلام على جفني الثقيل
لا يوجد شيء في هذا العالم
فقط مراسيم -غير معلن عنها - لوفاة
لمعلم .
ذهب كل شيء معك
فضوا شراكتهم بك
رغم إنك زميلهم الوحيد .
اسمحوا لي بالمرور أمام حدائقكم
اسمحوا لي أن أتذكر لأخر مرة .
و أنسى .
الزمان :غشت 2019 .
المكان : مقهى يطل على مقر نقابي عتيد .